صوتٌ انطفأ وبقي أثره.. وفاة المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة "أليس وونغ"

صوتٌ انطفأ وبقي أثره.. وفاة المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة "أليس وونغ"
الناشطة والمدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة أليس وونغ - أرشيف

توفيت الناشطة والمدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة أليس وونغ عن عمر ناهز 51 عامًا، بعد رحلة صحية معقّدة انتهت داخل أحد مستشفيات سان فرانسيسكو، وأعلنت صديقتها المقربة آبي ييم لصحيفة "واشنطن بوست" وساندي هو لصحيفة "الغارديان وأسوشيتد برس" أن الوفاة نجمت عن عدوى.

سعت القائدة البارزة في حركة عدالة الإعاقة، منذ بداياتها، إلى مواجهة تهميش يطول الفئات الضعيفة، وإلى تثبيت حق ذوي الإعاقة في الاستقلالية، وصنع القرار، وصياغة روايتهم بأنفسهم.

وكتبت الراحلة، في بيانها المنشور بعد وفاتها: "بفضل الصداقات وبعض المعلمين العظماء الذين آمنوا بي، تمكنت من النضال للخروج من ظروفي البائسة إلى مكان شعرت فيه أخيرًا بالراحة مع ذاتي.. نحن بحاجة إلى المزيد من القصص عن أنفسنا وعن ثقافتنا، بهذه الكلمات ودّعت أليس عالمًا قضت حياتها تحاول تغييره.

جذور المسار

ولدت الناشطة أليس وونغ في 27 مارس 1974 في إنديانابوليس، بعد عامين من هجرة والديها من هونغ كونغ، وجاءت ولادتها وهي مصابة بضمور عضلي شوكي، ما جعل طفولتها مسرحًا لسلسلة تجارب مؤلمة وصادمة -بحسب وصفها في مذكراتها “عام النمر: حياة ناشطة”- تتراوح بين التمييز والتنمر والإقصاء.

وروت الراحلة، في ذلك الكتاب الذي نشرته عام 2022، أن الغضب كان المحرك الذي دفعها للتحوّل من ضحية خطاب الإقصاء إلى فاعلة قادرة على الدفاع عن نفسها وعن الآخرين.

وانتقلت لاحقًا إلى كلية إيرلهام في إنديانا بعد تخرجها من الثانوية، حيث منحها برنامج ميديكيد خدمات رعاية شخصية أتاحت لها أول احتكاك فعلي بمعنى الحق في تقرير المصير، غير أن تخفيضات التمويل دفعتها إلى مغادرة الجامعة والانتقال إلى جامعة عامة قريبة بعد مواجهة أزمة تنفسية حادّة.

وأكملت الكاتبة والناشطة دراستها في جامعة إنديانا عام 1997، حيث حصلت على شهادتين في اللغة الإنجليزية وعلم الاجتماع، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى سان فرانسيسكو لدراسة علم الاجتماع الطبي.

واصلت المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة بناء مشروعها الحقوقي في منطقة خليج سان فرانسيسكو، حيث بدأت العمل إلى جانب ناشطين آخرين في قضايا الإعاقة، وبرز اسمها على المستوى الوطني في الولايات المتحدة عام 2013 عندما عيّنها الرئيس باراك أوباما في المجلس الوطني للإعاقة.

ووفقا لـ"اسوشيتد برس"، أسست في عام 2014، مشروعًا سيصبح لاحقًا محور إرثها: "مشروع رؤية الإعاقة"، وقدّمت الراحلة منتدى إلكترونيًا يجمع القصص الشفوية لمجتمعات ذوي الإعاقة، ويمنحهم مساحة لرواية تجاربهم بأصواتهم الخاصة، وامتد المشروع إلى كتب ومواد صوتية وصحفية، وبات ركيزة أساسية في توثيق الوجود الثقافي والسياسي لذوي الإعاقة في الولايات المتحدة.

وفي مقابلة مع "الغارديان"، استعادت الراحلة لحظة محورية في مراهقتها حين دافعت عن نفسها ضد اقتراح طبي غير ملائم، مؤكدة أنها كانت "تعرف جسدها وما تريده"، واعتبرت تلك اللحظة الشرارة الأولى لنشاطها الحقوقي في مجال التمكين الذاتي للأشخاص ذوي الإعاقة.

واصلت الكاتبة والناشطة تكريس جهودها لتعزيز سرديات مجتمع الإعاقة من خلال أعمال متعددة المنصات: مقالات صحفية، بودكاست، حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعاون مع منصة "ستوري كوربس" لتوثيق الأصوات الأمريكية.

ووفي حوار مع NPR عام 2023، قالت الراحلة: "أريد أن أترك ورائي أعمالًا تُشارك الآخرين والأهم من ذلك، علاقات وذكريات طيبة ستبقى خالدة".

وعند وفاتها، كانت تعمل على الكتاب الثالث من ثلاثية مختارات تعالج وجود ذوي الإعاقة داخل مجتمع "متحيز ضد الإعاقة"، كما وصفته، وحمل الكتاب عنوانًا مبدئيًا: "ضعف الإعاقة"، مع هدف صريح بتوثيق تجارب ما بعد جائحة كوفيد.

ودخلت المستشفى عام 2022 بعد انهيار رئوي، ثم خرجت غير قادرة على الكلام أو الأكل أو البلع، غير أنها أتقنت استخدام برنامج تحويل النص إلى كلام، واستمرت في الكتابة، وتركت خلفها سجلًا موثقًا لمعاناتها وتجربتها الوجودية.

تفاصيل السنوات الأخيرة

عاشت الكاتبة والمدافعة سنواتها الأخيرة وسط سلسلة من الأزمات الصحية، لكنها واصلت الظهور والكتابة، حيث ظهرت شخصيتها -بشكل مستوحى منها- في مسلسل الرسوم المتحركة "الموارد البشرية" على نتفليكس، كما حصلت عام 2024 على زمالة مؤسسة ماك آرثر الشهيرة، المعروفة بـ"منحة العباقرة".

واعتبرت الغارديان وأسوشيتد برس المنحة تتويجًا لمسيرة امتدت عقودًا في مواجهة التهميش وتعزيز العدالة، خاصة للفئات الأكثر عرضة للإقصاء: ذوي الإعاقة، وذوي البشرة الملونة، والمهاجرين، ومجتمع الميم.

وفي العام نفسه، انتقلت الراحلة إلى شقة جديدة للمرة الأولى بعيدًا عن منزل والديها، ووصفتها "واشنطن بوست" بأنها "مزينة بشكل جميل"، وكانت تستضيف فيها أصدقاءها وتقضي الوقت مع قطّيها: بيرت، وإرني.

وكتبت في مجلة تايم عام 2024: “يبقى الموت رفيقي الحميم، يحوم دائمًا بالقرب مني، آمل أن أموت في ذلك الوقت وأنا راضية بحياة طيبة، سعيدة، مليئة بالحب، دون اعتذار”.

رحلت المدافعة أليس وونغ تاركة سجلًّا كثيفًا من النضال ومشروعًا حقوقيًا وثقافيًا سيظل ركيزة في حركة الإعاقة الأمريكية، ولم تكن رحلتها مجرد مقاومة لمرض عضلي نادر، بل مواجهة مباشرة لأنظمة سياسية واجتماعية وثقافية طالما همّشت الملايين، فأعادت رسم حدود المشاركة والتمثيل والكرامة.

ومثلما ختمت حياتها ببيان موجز وقوي، ختمت إرثها بجملة تصلح عنوانًا لمسارها كله: "نحن بحاجة إلى المزيد من القصص عن أنفسنا وعن ثقافتنا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية